ابراهيم ناصرالدين
«الاستيعاب» «والاحتواء» «والحسم» عناوين لاستراتيجية أثمرت في الداخل والخارج نصائح غربية لقوى14 آذار والرعاة الاقليميّين باستعجال «التفاهم» حول الرئاسة
لا احد يجادل من خصوم أو حلفاء سوريا في اهمية الانجازات المتسارعة على الحدود اللبنانية السورية، والانعكاسات العسكرية والسياسية والمعنوية على المجموعات المسلحة على مختلف جبهات القتال، دون اغفال التاثيرات المباشرة على الدول الداعمة المعنية بالاسراع في تعديل استراتيجيتها تماشيا مع المستجدات الميدانية. ولكن ومع اقتراب حزب الله من انجاز الجزء الاهم من عملية التدخل في حرب الدفاع عن المقاومة في سوريا، ترتسم في الافق معالم التداعيات على الساحة اللبنانية بما لا يقل اهمية عما ستتركه هذه الانجازات على مجمل ملف الحرب على سوريا.
وفي هذا السياق، نقلت اوساط ديبلوماسية غربية نصائح على شكل تمنيات الى أكثر من طرف لبناني على خصومة مع حزب الله، وفي مقدمتهم تيار المستقبل، لضرورة الاستعجال في التفاهم على ما تبقى من ملفات عالقة مع الحزب، وفي مقدمتها ملف الانتخابات الرئاسية، «لأن ما يمكن تحصيله اليوم قد يكون مستحيلا الحصول عليه غدا»، في ظل التحسن المطرد والمتسارع لموقف حزب الله المحلي والاقليمي، بعد نجاحه في سد غالبية المنافذ والمسارب التي فتحت في وجهه طوال السنوات الثلاث الماضية. ووفقا للمعطيات، ثمة «ذهول» جدي في قدرة الحزب على تجاوز المطبات الامنية والعسكرية والسياسية التي رميت في حضنه دفعة واحدة، وثمة تساؤلات جدية وبحث معمق لدى الدوائر العربية والاقليمية عن الاسباب الكامنة وراء نجاح استراتيجية الحزب.
وفي غياب المعلومات الدقيقة التي يبقى قسم منها قيد الكتمان، تلفت اوساط خبيرة في الشؤون الامنية والعسكرية الى ان «مفتاح» النجاح عند الحزب كان من خلال اعتماده استراتيجية تقوم على اعمدة ثلاث اولا «الاستيعاب» ثانيا «الاحتواء» ثالثا «الحسم»، والمفارقة ان هذا التكتيك استخدم بنجاح لمواجهة تحديات من «طينة» مختلفة وقد نجحت تلك الموائمة في تحقيق النجاحات المبتغاة في توقيت متزامن.
وتعتبر تلك الاوساط، أن سر نجاح الحزب كان من خلال تقسيم الملفات من جهة وربطها من جهة اخرى بمرجعية الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، حيث كانت كل الخلاصات تعود اليه لتقويمها واعادة التصويب مع فريق صغير من «الساسة والعسكر»، وقد جرى تقسيم الملفات الى اربعة اثنان منها عسكريان الاول مرتبط بالجبهة السورية والثاني بالجبهة مع اسرائيل، الثالث امني لمكافحة ظاهرة «التكفيريين» والعمليات الارهابية، والرابع سياسي يرتبط بالاستحقاقات الداخلية.
ووفقا للمعطيات المتوافرة، كانت مرحلة «الاستيعاب» تقول الاوساط اصعب المراحل واكثرها دقة وخطورة، وقد بذلت جهود مضنية لوضع تصور واضح عن طبيعة وحدود الحرب المفتوحة على سوريا، وكيفية تقليص اضرارها على المقاومة، دخلت الكثير من العوامل الداخلية والخارجية على خط اعادة بلورة التقويم الذي تغير وعدل مرات ومرات، وكانت للتعقيدات السورية حصة كبيرة في زيادة بواعث القلق، فثمة تركيبة امنية وعسكرية غير قادرة على التأقلم السريع مع التطورات، وكانت الاحداث تتسارع بشكل «جنوني»، والتدخلات الخارجية لا تقل تعقيدا، الى ان جرى وضع آليات للعمل سمحت للحزب في الولوج الى داخل هذه المنظومة «وفك» «شيفرتها» وبعد عملية مسح مضنية جرى تفكيك «طلاسم» المجموعات المسلحة ومشاربها، وجرى استيعاب اولي للجغرافية السورية بنقاط ضعفها وقوتها، ولم تنته مرحلة «الاستيعاب» الا بعد نحو عام ونصف من عمر الازمة، بدأ بعدها التكامل في العمل مع المؤسسات الامنية والعسكرية السورية وبدأت بعدها مرحلة تقسيم المهام للبدء بمرحلة «الاحتواء».
طبعا استراتيجية «الاستيعاب» طبقت ايضا على الساحة الداخلية على المستويين السياسي والامني تؤكد الاوساط، وكان الهم الاول لدى الحزب معرفة مدى استعداد خصومه في الداخل لاستثمار الحراك في سوريا عسكريا في لبنان، لم تكن المؤشرات والوقائع تشير الى قدرة او نية هؤلاء على ذلك، لبنان كان مقدرا له ان يكون ساحة نصرة. لكن بقيت المرحلة الاصعب في «استيعاب» حجم خطر العمليات الانتحارية، وقد بدأ العمل منذ اليوم الاول على جمع المعطيات والمعلومات الاستخباراتية في لبنان وسوريا حول القيادات الخطرة، وبالتنسيق مع استخبارات الجيش وضعت اللوائح ونظمت الملفات بانتظار يوم «الحساب»، ولاحقا عندما تم تصفية وتوقيف 90بالمئة من الرؤوس المخططة، فهم من كان يراجع قيادة الحزب معنى قولها ان المسألة تحتاج فقط الى «الصبر» والمزيد من الوقت.
ووفقا لتلك الاوساط، لم يكن «الاحتواء» صعبا بعد ان باتت الصورة واضحة، تم تثبيت «المواقع» في الداخل اللبناني وفي سوريا وتم تقليص حجم الاضرار، ثم اعطي «الضوء» للبدء بمرحلة «الحسم»، فكانت معركة القصير الاستراتيجية، بعدها جرت تعديلات جوهرية على الخطط «التكتية» «واالوجستية»، جرى الاستفادة من الاخطاء، تم تقليص الخسائر البشرية، وجرى تطوير المعدات القتالية، وبعد نحو عام نفذت الوحدات القتالية ما هو مطلوب منها، اليوم لم يتبق إلا كيلومترات قليلة قبل بسط حزب الله والجيش السوري سيطرتهم على كامل الحدود اللبنانية – السورية التي تمتد في الشمال والشرق على مسافة 467 كيلومترا، السيطرة تامة على المعابر الخمسة الشرعية، 38معبرا فرعيا وغير شرعي ويبقى ثلاثة معابر متاحة امام عناصر المعارضة لكنها معابر ضيقة لا يمكن أن تسلكها السيارات.
وفي «المنازلة» المستمرة مع اسرائيل تقول الاوساط نجح المسؤولون عن هذا الملف في اعادة «عقلنة» التهور الاسرائيلي وصلت الرسائل المناسبة عبر الحدود في مزارع شبعا وفي الجولان لافهام الاسرائيليين ان تغيير قواعد «اللعبة» له اثمان باهظة، وقد جاء أقرار وزير الاستخبارات والطاقة الاسرائيلية السابق دان مريدور بالامس في مؤتمر معهد السياسات الاستراتيجية في «هرتسليا»، بأن «التهديد المركزي على إسرائيل يتمثل في المساس بقوتها الهجومية وليس بقوة الدفاع، ليوضح جزءا من المعادلة القائمة.
وفي البعد الخارجي تشير المصادر في 8 آذار الى ان حزب الله يتكئ ايضا على فائض قوة اقليمي ودولي، فالرئيس الأميركي باراك اوباما يواصل توجيه رسائل الضعف الى «قيصر» الكرملين ولم يجد حرجاً في الحديث علناً عن جيش أميركي منهك بعد عقدٍ من الحروب، فيما يرسم بوتين استراتيجية بلاده في اوكرانيا والمنطقة. في المقابل تستغل ايران «بذكاء» حاجة أوباما إلى إنجازٍ في السياسة الخارجية، بعد الفشل في سوريا واوكرانيا وفي ملف التسوية على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، وهي تعرف ان المفاوضات النووية تعد الفرصة الأخيرة للديموقراطيين لتحقيق هذا الانجاز. لهذا تستغل الموقف لصالحها، بعد ان سلمت واشنطن بدورها في العراق، وعبدت لها الطريق مع كابول قبل الانسحاب نهاية العام الجاري. ولعل الاهم من كل ذلك ان واشنطن ادارت «ظهرها» للحلفاء الخليجيين خصوصا في الملف السوري، ولعل الأكثر دلالة على ذلك ما قاله السناتور الجمهوري بوب كوركر لوزير الخارجية الاميركي خلال جلسة المساءلة في الكونغرس عن جلوس الإدارة الأميركية على سطح باص الحرب السورية الذي «تقوده روسيا وإيران»!
وانطلاقا من هذه المعطيات ترى المصادر انه يمكن فهم النصائح الديبلوماسية لقوى 14 آذار بان الوقت ليس لصالحها، والاختبار الاول سيكون في الاستحقاق الرئاسي، فعندما تحدث الامين العام لحزب الله صراحة عن انعدام المواصفات التي تخول الرئيس ميشال سليمان ادارة الحوار الوطني، فهو كان يرسم الخطوط العامة لمواصفات الرئيس المقبل، الذي لن يصل الى بعبدا، الا اذا كان ملتزما مسبقا بهذه المعايير التي تنكر لها الرئيس سليمان.
أما تاكيد الامين العام لـ«حزب الله» ان تجاوز موعد الاستحقاق الرئاسي في 25 الشهر المقبل لا يقلقه، فهو تعبير واضح عن انه اذا لم يحصل التفاهم مع الحزب على المرشح الذي يتمتع بهذه المواصفات فلن تكون هناك انتخابات، وفي هذا السياق تضيف المصادر فان «لعبة الوقت» كانت دوما لمصلحته، فبعد نحو عشرة اشهر من «المخاض» ولدت حكومة «المصلحة» متجاوزة التحفظات عن مشاركته في القتال في سورية، هناك الخطط تسير على «خير ما يرام»، «الارهاب» تقلص الى حدوده الدنيا، ولم تنته مخاطره بعد، الازمة باتت في «حضن» خصومه بعد ان باتوا شركاء «الضرورة» في الحرب على «التكفيرين»، ولان القرار ليس عند هؤلاء، ثمة من ابلغ المرجعية الاقليمية المسؤولة عن التعطيل بضرورة الاستفادة من الوقت لحسم الاستحقاق الرئاسي قبل الانتخابات في سوريا، لانه بعد اعادة انتخاب الرئيس الاسد، قد يكون هناك كلام آخر.