الخامس من جمادى الأول ذكرى ولادة عقيلة الهاشميين ، ولدت في بيت الطهر والقداسة من والدة معصومة هي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) ، ووالدها أمير المؤمنين (ع) وأخويها الإمام الحسن المجتبى والإمام الحسين الشهيد بكربلاء (عليهما السلام).
زينب والإختيار الإلهي:
فلما حملت فاطمة وليدتها إلى أمير المؤمنين (ع) قالت له: «سم هذه المولودة» فأجابها الإمام بأدبٍ وتواضع «ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله)» وعرض الإمام على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يسميها فقال له: «ما كنت لأسبق ربي» فهبط رسول السماء على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: (سمي هذه المولودة (زينب) فقد أختار الله لها هذا الاسم وأخبره بما سوف تعانيه حفيدته من أهوال الخطوب والكوارث) فأغرق هو وأهل بيته في البكاء.
معاني الاسم الزينبي:
هنالك قولان في المسألة
الأول: ان زينب كلمة مركبة من زين وأب كما احتمل ذلك الفيروز آبادي في القاموس المحيط.
الثاني: ان زينب كلمة بسيطة وليست مركبة وهي اسم شجرة أو وردة، كما في لسان العرب الزينب الشجر الحسن المنظر، طيب الرائحة وبه سميّت المرأة، وفي كتاب «الأوس»: الزينب: نبات عشبي بصلي من فصيلة النرجسيات وهي أزهار جميلة بيضاء اللون فواحة العرف.
وكنيتها أُم كلثوم وأم الحسن، وقد جاء التعبير عن السيدة زينب الكبرى بالعقيلة من قبل الكثير من الكتاب والمؤلفين والخطباء وهذا وصفٌ للسيدة وليس اسماً لها وللعقيلة معاني عديدة منها: المرأة الكريمة «المحترمة» والنفيسة والمخدرة.
التربية في بيوت الأنبياء:
إن الذكاء المفرط، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا استثمرت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل.
فما تقول في طفلة روحها أطهر من ماء السماء، وقلبها أصفى من المرآة، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك، تفتح عينها في وجوه أُسرتها الذين هم أشرف خلق الله، وأطهر الكائنات، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية أسرة قدوتها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يكتنفها بتوجيهاته ويشهد لهذا البيت انه من أفضل بيوت الأنبياء فلقد روي أن رسـول الله (صلى الله عليه وآله) قرأ قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) النور:36، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أي بيوت هذه؟
فقال: «بيوت الأنبياء».
فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
فقال النبي: «نعم، من أفضلها».
ويجب أن لا ننسى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال، وأضاء طرق التربية لها أولى عنايةً تامةً في تربية عائلته، ومهّد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق والفضائل.وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والاستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية، ومن الواضح أن السيدة زينب (ع) ـ بمواهبها واستعدادها النفسي والتكويني ـ كانت تتقبل تلك الأصول التربوية، وتتفاعل معها.
إذن فمن الصحيح أن نقول: إن السيدة زينب تلقت دروس التربية الراقية العليا في ذلك البيت الطاهر، كالعلم ـ بما في ذلك الفصاحة والبلاغة، والإخبار عن المستقبل ـ ومعرفة الحياة، وقوة النفس وعزتها، والشجاعة والعقل الوافر، والحكمة الصحيحة تجاه ما يحدث.
امها صديِّقةٌ عظيمةٌ:
تستأنس البنت بأمها أكثر من استيناسها بأبيها، وتنسجم معها أكثر من غيرها، وتعتبر روابط المحبة بين الأم والبنت من الأمور الفطرية التي لا تحتاج إلى دليل، فالأنوثة من أقوى الروابط بين الأم وإبنتها.
وإذا نظرنا إلى هذه الحقيقة من زاوية علم النفس، فإن الأم تعتبر ينبوعاً للعاطفة والحنان، والبنت ـ بطبعها وطبيعتها ـ متعطشة إلى العاطفة، فهي تجد ضالتها المنشودة عند أمها، فلا عجب إذا اندفعت نحو أمها، وانسجمت معها روحاً وقلباً وقالباً.
والسيدة زينب الكبرى كانت مغمورة بعواطف أمها الحانية العطوفة، وقد حلت في أوسع مكان من قلب أم كانت أكثر أمهات العالم حناناً ورأفةً وشفقةً بأطفالها.
وقد فتحت السيدة زينب الكبرى عينيها في وجه أطهر أنثى على وجه الأرض، وعاشت معها ليلها ونهارها، وشاهدت من أمها أنواع العبادة، والزهد، والمواساة والإيثار، والإنفاق في سبيل الله، وإطعام الطعام مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
وشاهدت حياة أمها الزوجية، والاحترام المتبادل بينها وبين زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وإطاعتها له، وصبرها على خشونة الحياة وصعوبة المعيشة، ابتغاء رضى الله تعالى.
كما عاصرت السيدة زينب الحوادث المؤلمة التي عصفت بأمها البتول بعد وفاة أبيها الرسول، وما تعرضت له من الضرب والأذى، كما ذكره المؤرخون وما هو معروفٌ مشهور، وبخاصةٍ وإنها كانت من أبرز من رافق أمها الزهراء (ع) إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين إلقاء خطبتها المعروفة، كما وانقضت عليها ساعات اليمة وهي تشاهد أمها العليلة، طريحة الفراش، مكسورة الضلع، دامية الصدر، محمرة العين.
العقيلة زينب وتكوين الأسرة:
تزوجت السيدة زينب الكبرى من ابن عمها عبد الله بن جعفر الطيار وكونت أسرة وأنجبت أولاد شملتهم بعنايتها وأنشأتهم بعناية كبيرة ودقة عالية وهي تعلم إنهم مشاريع استشهاد ومواقف ستغير تاريخ العالم ، فأولادها كانوا بعد ذلك من ابرز أنصار سيد الشهداء (ع) في كربلاء المبدأ والموقف والشهادة.
عون بن عبد الله بن جعفر الطيار الابن الأكبر لعقيلة الطالبيين يُنبأ رجزه عن عظمته فقد برز في واقعة كربلاء منتصراً للحق لإمامه وخاله الإمام الحسين قائلاً:
إن تنكروني فأنا أبن جعفر شهيد سبق في الجنان أزهر
يطير فيهـا بجنـاحٍ أخضر كفى بهذا شرفاً من محشر
أما أولادها الآخرين فهم: «علي المعروف بالزينبي ومحمد: الذي أستشهد بكربلاء مع خاله الحسين (ع) أيضاً وعباس وكذلك السيدة أم كلثوم».
جهاد وبطولة وعظمة:
يعلم جلالة أمرها وعلو مكانتها وقوة حجتها بلسانها وبلاغة مقامها حتى كأنها تفرغ عن لسان سيد الموحدين أمير المؤمنين من خطبها بالكوفة والشام واحتجاجها على يزيد وزياد وليس عجيباً من السيدة زينب (ع) أن تكون كذلك وقد تقدم بحث عوامل بناء شخصيتها فهي فرع من الشجرة الطيبة النبوية والأرومة الهاشمية.
وسميت أم المصائب وحق لها أن تسمى بذلك فقد شاهدت مصيبة رحلة جدها النبي المختار (صلى الله عليه واله) وأمها الشهيدة المظلومة سيد النساء (ع) ومصيبة قتل المولى حيدر الكرار (ع) ومحنة مسمومية أخيها الحسن المجتبى (ع) والمصيبة العظمى لسيد الشهداء (ع) حيث شاطرته من مبتداها إلى منتهاها مع استشهاد ولديها عون ومحمد مع وأكملت الرحلة بالمسير إلى الكوفة ومنها إلى الشام.
وكان لزينب (ع) في وقعة كربلاء المكان المرموق والمهمة المقدسة والمسؤولية العظيمة في جميع الحالات وفي المواطن كلها حيث كانت تراقب أحوال أخيها الحسين (ع) ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عن كل حادث وهي التي كانت تدبر أمر العيال والأطفال وتقوم في ذلك مقام العصبة من الرجال وكانت تمرِّض زين العابدين (ع) وتدافع عنه في مواطن متعددة وخاطبت أبن زياد وألقمته حجراً حتى التجأ إلى طريق العنف وكانت ملاذاً لفاطمة الصغرى حيث التجأت إليها وأخذت بثياب عمتها حين قال الشامي ليزيد هَب لي هذه الجارية فكانت لهم الركن الشديد، والذي يلفت النظر أنها كانت متزوجة وزوجها حي آنذاك لكنها اختارت المسير مع أخيها الحسين وآثرته على البقاء مع زوجها مع علمها بما يجري عليها من محن ومصائب.
قبرها المبارك (ع):
إن المشهور في الأوساط الإسلامية أن قبر العقيلة (ع) بالشام حيث هو قائم الآن وقد أحيط بهالة من التقديس والتعظيم وتؤمه الملايين من الزائرين متبركين ومتوسلين به إلى الله تعالى شأن مرقدها شأن مرقد أخيها أبي الأحرار (ع) الذي صار أعز مرقد في الأرض.