اشار امين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله الى الانجاز الكبير المتمثل بالانتخابات السورية ونتائجها وقال ان الانتخابات الرئاسية في سوريا والاقبال الشعبي عليها من اهم الانجازات التي تحققت لان الكثير من الدول عملت على افشال هذه الانتخابات منذ بداية الازمة.
واكد السيد نصر الله في احتفال تأبيني للعلاّمة الرّاحل الشيخ مصطفى قصير اقيم في قاعة الشهيد السيد محمد باقر الصدر في مدرسة الامام المهدي- الحَدث ان الضغط الاميركي والغربي والعربي الذي جرى على الشعب السوري يعتبر مصادرة لارادة هذا الشعب، وكان الاولى من الضغط على الشعب السوري ان تفتح السفارات السورية في العالم لاجراء الانتخابات في العالم لنرى هل الشعب السوري يقاطع ام لا.
ماذا اثبت الشعب السوري عبر الانتخابات؟
واشار الى ان الشعب السوري أثبت عبر الانتخابات عدة امور:
– أولاً ثبّت في النتائج السياسية وحدة سوريا حيث اثبتت الانتخابات ان سوريا واحدة وستبقى واحدة.
– ثانياً بقاء الدولة وانها متماسكة وقادرة ان تدير انتخابات وتستوعب ناخبين بالملايين.
– ثالثا اكد ما حصل ارادة الصمود عند السوريين والحضور في صنع المستقبل السياسي وعدم اليأس والاحباط وعدم التخلي عن مستقبلهم لتصنعه دول العالم -بين هلالين ما يسمى اصدقاء سوريا- بل قالوا نحن من نصنع مستقبل سوريا ، لا اميركا ولا جنيف 1 و2 ولا اي عاصمة في العالم، السوريون يصنعون مستقبلهم ويعيدون بناء وطنهم واصلاح نظامهم السياسي.
– رابعا قالت الملايين ان المعركة ليست بين النظام وبين الشعب كما قلتم في اعلامكم خلال السنوات الماضية ، فلو كان ذلك صحيحا كان توجه بضعة مئات أو الاف الى الصناديق، بينما عندما توجه الملايين فهذا يعني ان النظام يتمتع بحاضنة شعبية كبيرة جدا.
– خامساً : الحرب العسكرية التدميرية على سوريا قد فشلت، والانتخابات اعلان سياسي وشعبي بفشل الحرب.
– سادسا النتيجة التي ترتبت على الانتخابات هي ان من يريد ان يحقق حلا سياسيا في سوريا لا يستطيع ان يتجاهل الانتخابات التي حصلت وهذه الانتخابات التي انتخبت الدكتور بشار الاسد رئيسا لسوريا تقول ان اي حل ليس صحيحا انه يستند الى جنيف 1 و2 والى صيغة استقالة الرئيس بشار الاسد وتسليمه السلطة او مفاوضات تفضي الى استقالة الرئيس بشار الاسد، الانتخابات تقول لكل المعارضة والدول الاقليمية والدولية ان الحل السياسي يبدأ وينتهي مع الرئيس الدكتور بشار الأسد، رئيس منتخب لولاية جديدة انتخبته الملايين، ومن يريد ان ينجز حلا سياسيا “بدو يعمل حل معه ويتناقش معه (الأسد)”.
الحل يقوم على الاخذ بنتائج الانتخابات ووقف دعم الجماعات المسلحة
واعتبر الأمين العام لحزب الله ان الحل السياسي في سوريا يقوم على مقدمتين اساسيتين: الاخذ بنتائج الانتخابات والتعاطي على ان الحل السياسي طرفه الرئيس الاسد، وثانيا وقف دعم الجماعات التكفيرية بما يساعد على وقف الحرب والقتال في سوريا، مشددا على انه لا يكفي ان تقوم بعض الدول بوضع هذه الجماعات على لائحة الارهاب لأن هناك دولا في المنطقة والاقليم وضعت وقد تضع هذه الجماعات على لائحة الارهاب ولكنها لا تزال تقدم لها الدعم المالي واللوجستي وغيره.
وتطرق السيد نصر الله الى مزايا الشيخ الفقيد، ثم كانت له مواقف بارزة في الشأن السياسي والاجتماعي اللبناني، وفي موضوع الإنتخابات السورية ونتائجها.
الشيخ القدوة
السيد نصر الله تكلم في البداية عن المناسبة مشيدا بسماحة الشيخ الراحل ومسيرته وجهوده معتبرا انه كان قدوة يجب ان يحتذى بها.
وقال السيد نصر الله: يجب ان نقدم كل قدوة كالشيخ مصطفى قصير الى اجيالنا واولادنا كما نقدم قادتنا الشهداء ونحن بحاجة الى القدوة في العزم والفعل والفعالية كالشيخ مصطفى قصير الذي كان يعتقد ان كل لحظة من عمره يجب ان تبذل في سبيل الله.
واضاف ان الشيخ مصطفى قصير منذ البداية اختار العمل التبليغي والتعبوي وخصوصا التربوي وكان بالفعل خير مسؤول وموجه واستاذ مشيرا الى انه كان منذ البدايات في متن هذه المسيرة فكان عالما وعاملا فهو تعلم وعمل وتعلم لله.
ولفت الى انه في ظل رعايته ونمت وترسخت المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم الى ان اصبحنا امام مؤسسة بكل معنى الكلمة وكان الامين على المؤسسة كل هذه السنين.
واكد اننا عندما نجد انفسنا امام مقاومة مستمرة منذ عقود مرابطة على الحدود وتملك عناصر القوة وحاضرة في سوريا لتدافع عن الامة، ما كان لهذه المقاومة ان تتقدم لولا انجازات هؤلاء القادة والاخوة الكبار، واشار الى انه سماحته كان واحدا من هؤلاء الكبار الذين ساهموا في هذه المسيرة.
ليس لأحد عذر بعدم التوجه الى مجلس النواب لحسم “السلسلة”
في الملف اللبناني حث السيد نصر الله على سرعة اقرار سلسلة الرتب والرواتب . وقال : اليوم هناك معضلة يعيشها البلد هي سلسلة الرتب والرواتب ووصلنا للحظة حساسة جدا ، واشار الى انه تم وضع الناس بوجه بعضها إما تذهب الامتحانات ضحية وإما يتم التنازل عن مطالب.
واضاف السيد نصر الله: من الذي اوصل الامور الى هذه اللحظة؟ الطبقة السياسية. من الذي يجب ان يعالج هذا الامر خلال الايام القليلة المقبلة؟ هم الطبقة السياسية. وتابع : الطبقة السياسية مسؤولة عن معالجة هذا الموقف خلال الايام المقبلة والكتل النيابية واجبها الاخلاقي والانساني والوطني وليس لأحد عذر على الاطلاق التوجه الى مجلس النواب ليحسموا هذه المسالة في جلسة او اكثر وينصفوا الموظفين وينقذوا الطلاب والامتحانات والعام الدراسي ومن يتخلف هو الذي يتحمل المسؤولية وهذا استحقاق وطني كبير.
واشار في موضوع مطالب أساتذة الجامعة اللبنانية الى ان هناك من يريد ان يضع اساتذة الجامعة بوجه الطلاب داعيا الحكومة اللبنانية الى معالجة هذا الموضوع.
لننجز الانتخاب بجهد داخلي متعدد الأطراف
وتطرق الأمين العام لحزب الله الى الموضوع الرئاسي والاتهامات بالسعي الى المثالثة فقال: اذا كنتم تتهموننا اننا نسعى الى فراغ رئاسي من اجل المثالثة تعالوا ننتخب الرئيس، إقبلوا بالرئيس الذي له حيثية مسيحية والليلة نعمل جلسة وننتخب رئيسا ونقطع الطريق على المثالثة. لكن من يمنع صاحب الحق من الحصول على حقه معروف.
وشدد على اننا ندعو الى سعي جدي وفعالية داخلية وندعو الى لجهود متعددة الاطراف للوصول الى نهاية لهذا الاستحقاق عبر جهود داخلية. وقال: الخارج “مش فاضي للبنان”، الخارج كل يوم يقول لكم نحن لا نتدخل. ودعا الى عدم انتظار العلاقات الايرانية السعودية ولا المفاوضات الايرانية السعودية.
وقال: بالنسبة للجمهورية الاسلامية فهي لا تفرض شيئا على حلفائها ولا اصدقائها لأنها تحترمهم في كل مكان، بالتالي انا بكل صدق واخلاص كلبناني وجزء من اللبنانيين الحريصين ان ينجز الاستحقاق في اسرع وقت اقول تفضلوا لعمل جهد داخلي حقيقي وهناك قادة قي البلد يستطيعون اخذ مبادرات.. حتى السعوديون يقولون لا نتدخل، لا احد يريد ان يعمل مسعى لا اقليميا ولا دوليا وكل الدول التي كانت تساعد في الماضي مشغولة. ادعو الى جهد داخلي لانجاز الاستحقاق.
واشار السيد نصر الله الى انه يبدو هناك اجماعا اقليميا دوليا ان يكون لبنان مستقرا آمنا وهذه نعمة، وهذا ايضا يحتاج الى تعاون اللبنانيين وهذا لا يكفي فيه التمنيات والارادة الاقليمة والدولية مع انها مؤثرة وتستطيع بعض الدول ان تشغل مخابراتها في لبنان لتخرب الوضع الامني. وأكد اننا حريصون على الامن والاستقرار وان تمر هذه الايام والاسابيع والشهور والسنوات بسلامة وعافية لِما للامن والسلم من بركات وآثار سياسية ونفسية واقتصادية واجتماعية، مشددا على انجاح الخطط الامنية والتعاون والتواصل في اي مستوى من المستويات.
وفيما يلي نص كلمة السيد حسن نصر الله في الاحتفال التأبيني للعلاّمة الرّاحل الشيخ مصطفى قصير:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات الكرام، السلام عليكم جميع وحمة الله وبركاته .
قال الله عز وجل في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا.
في هذا اللقاء المبارك، أود في البداية أن أتوجه بالتعزية وبمشاعر المواساة إلى عائلته الكريمة إلى العائلة العزيزة، آل قصير، عائلة العلماء والشهداء والاستشهاديين والمجاهدين والمقاومين، التي قدمت وما زالت، وكذلك إلى العائلة العزيزة، آل الأمين، أيضاً عائلة العلماء والشهداء والمقاومين والمجاهدين، والتي قدمت وما زالت تقدم، وإلى جميع إخواني وأخواتي في حزب الله، وخصوصا في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، الذين رافقوا سماحة شيخنا العزيز وعملوا معه وعايشوه عن قرب وفقدوه في ساعة الرحيل.
أنا اليوم أود أن أتحدث ثلاث كلمات كالعادة:
أولاً: في المناسبة
ثانياً: استفادة من فرصة الخطاب كلمة في الشأن اللبناني
وثالثاً: كلمة في الشأن السوري على قاعدة وحدة المصير.
في المناسبة، طبعاً نحن أمام مناسبة كبيرة ومؤلمة بالنسبة إلينا.
إن خسارتنا وألمنا بفقد هذا العالم المجاهد المقاوم العزيز الكبير هو ألم كبير وخسارة كبيرة، والإخوة جميعاً يشاركونني هذا الاحساس، الإخوة العلماء، الإخوة والأخوات، الإخوة القادة والمسؤولين في حزب الله في مختلف المسؤوليات، وكذلك كل الإخوة والأخوات الذين عرفوا سماحة الشيخ عن قرب.
نحن عادةً، في حزب الله، عندنا أننا لا نتحدث عن إخواننا وهم أحياء، الأحياء يتعبون، يسهرون، يجاهدون، يبذلون جهود مضنية جدا، يقومون بإنجازات عظيمة جداً، ولكن لا ننسب الإنجازات إلى الأشخاص وهم أحياء. الآن، ما سبب ذلك؟ هذا بحث آخر.
هذه السيرة الموجودة في حزب الله، وعندما نتحدث عن الإنجاز وعن الانتصار وعن الجهاد أو عن الجهود أو التضحيات، نتحدث عن الجميع، نعمّم دون أن ندخل إلى فلان وفلان وفلانة..
نعم ، من واجبنا ومن حقهم علينا في الحد الأدنى، إذا كان الجزء الأول فيه نقاش أنه صحيح أم خطأ، له علاقة بالإخلاص، بالصدق، بالنية، بالكتمان، مهما كان السبب، لكن بعد أن يرحل هؤلاء الأعزاء وهؤلاء المجاهدون عن هذه الدنيا، وحين لا يعود المديح والكلام والحديث عنهم بفائدة عليهم في الدنيا، وإنما هو شهادة حق وإنصاف تُقدّم بين يدي أرواحهم الزكية، نتحدث عنهم، ننسب إليهم ما يجب أن يُنسب إليهم وأحيانا لا نقول أيضاً كل الحقيقة، وإنما نخفي بعض أجزائها لمصالح تتعلق بمسيرتنا واستمرار المسيرة.
كل ما قاله الإخوة قبلي بحق سماحة العلامة الشيخ مصطفى قصير، الأخ الحبيب والعزيز، هو طبعا دون حقه، وما أقوله أنا كذلك أو ما يمكن أن أقوله، وهو فوق ما قيل وأقول، وهذه هي الحقيقة.
اليوم أنا أريد أن أدخل إلى سماحة الشيخ الفقيد الغالي من زاوية معينة ومحددة بعد رحيله.
يمكن حتى لو كنا في حفل تكريم في حياته ما كنا نتحدث كذلك، من زاوية أن أقدّم وأن نقدّم سماحة الشيخ مصطفى قصير كأسوة ونموذج وقدوة، نحتاجه نحن، نحن نحتاج إلى أنواع من القدوة ومن الأسوة ومن النموذج.
نحن نحتاج إلى هذا النموذج الذي عايشناه عن قرب وشهدنا سيرته وحياته وسلوكه، ونشهد له بذلك بعد رحيله وبعد وفاته، ونقدمه نموذجاً لنا، أنا أقدّمه نموذجاً وأسوة لي، وأدعو كل أخ من إخواني أن يتّخذه مثالاً وقدوة.
هنا نحن لا نتحدث عن العناوين، عن الأسماء، عن الصفات. نتحدث عن الشخص المجسّد للعناوين وللصفات والأسماء، قدوة لنا كعالم طلب العلم طويلاً وحتى آخر لحظات حياته. كان طالب علم وكان باحثاً عن العلم وكان محققاً ودارساً وكان أيضاً معلماً، يدرس ويعلّم ويحقّق ويكتب وينشر ويحدّث في هذا الجانب، وكان ممن طلب العلم لله، وعلّم لله عز وجل، ننظر إليه أيضا كعامل مجاهد لم يعتزل حياة الناس، لم يذهب بعيداً، جاء إلى متن هذه المسيرة منذ البدايات. في الحوزة العلمية كان طالباً وعاملاً، وعندما جاء إلى لبنان كان عالماً وطالباً للعلم وعاملاً ومجاهداً ومقاوماً، وعمل لله. ومن تعلّم لله وعلّم لله وعمل لله نودي في ملكوت السماوات عظيماً، كما يُنقل عن السيد المسيح عليه السلام .
نحن أمام العامِل الجاد، العامِل الدؤوب، صاحب الهمّة العالية، الذي لا يعرف الكلل ولا يقعده لا تعب ولا مرض. في الأشهر الأخيرة من مرضه، كنت أنا أذهب إلى بعض اللقاءات الداخلية وكنت أفاجأ بحضور سماحة الشيخ، عندما كنت اتابع في بعض وسائل الاعلام بعض المناسبات أو بعض الاحتفالات أجد سماحة الشيخ موجوداً، إما حاضراً إما خطيباً، حتى اللحظات الأخيرة التي كان جسده يعينه، وكنت أستغرب من هذه الهمة العالية.
وهذا ما نحتاج إليه نحن الذين نتعب وتحيط بنا أحياناً الهموم والمشكلات والتحديات.
نحن بحاجة إلى القدوة بالعزم والإرادة، في الهمة العالية، في الجدية، في الفعالية.
شيخ مصطفى كان هكذا، كل إخواننا يعرفون أن سماحة الشيخ كان هكذا. وأحيانا أنا كنت أقول له: شيخنا أنت تتعب نفسك، الآن اهتم بصحتك اهتم بعافيتك. هو كان يعتبر أن كل لحظة من عمره يجب أن تبذل في طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وخدمة دين الله وخدمة عباد الله سبحانه وتعالى.
الصادق المخلص، وكلنا نعرفه صدقه وإخلاصه ونحتاج إلى هذا الإخلاص في العمل، نحتاج إلى هذا الإخلاص وإلى هذا الصدق.
الزاهد في الدنيا، المعرض عن زخارفها وزبارجها وعناوينها، العامل فيها لآخرته، عيناه كانتا دائماً تتطلعان إلى ذلك العالم، يمهد له، يحضر له، الشيخ مصطفى من الإخوة الذين كانوا يعملون بدون توقعات شخصية، بدون طلب امتيازات شخصية، بدون توقعات شخصية.
لم يعتبر في لحظة من اللحظات أن له حقاً في رقبة حزب الله أو المقاومة أو المسيرة أو الإسلام أو الدين. لم يمارس فعل المنّ أو التفضل على هذه المسيرة أو على رفاقه أو على إخوانه أو على الذين يعملون معه.
طبعاً تكفي الإشارة في كل صفة، نحن نحتاج إلى هذا أيضاً. الله سبحانه وتعالى هو الذي يمنّ علينا أن هدانا للإيمان وأن هدانا للجهاد وأن جعلنا من أبناء هذه المسيرة المباركة، والله سبحانه وتعالى هو الذي يجب أن نتوجه إليه دائما بالشكر على كل توفيق لعمل الإنجاز ونستغفره ونعتذر إليه من كل تقصير وقصور.
شيخ مصطفى هكذا، الإنسان الودود، اللطيف، الحنون، محب، خلوق، بشوش، (وأنا) قبل قليل شاهدته في الفلم الوثائقي.
أي جماعة، أي مسيرة، أي شعب، وخصوصاً عندما نتحدث عن جماعة تواجه تحديات وتقدم تضحيات وتتحمل أعباء في علاقاتها الداخلية، هي تحتاج إلى هذا الحنان، إلى هذا الحب، إلى هذا الود، إلى هذه الأخلاق الطيبة والحميدة، لأن هذه من عناصر القوة، من عناصر الاستمرار.
سماحة الشيخ الهادئ الذي لا ينفعل إلا نادراً وبالحق، المتزن، سماحة الشيخ المعلم والمربي، في المدرسة، في المؤسسة، في المسجد، الشيخ مصطفى قصير إمام الصلاة، إمام صلاة الصبح جماعةً في مساجدنا. الإمام المسجدي، العالم المسجدي.
سماحة الشيخ ـ إذا أردت المتابعة يطول الكلام، لكن حقيقة ـ كان الإنسان العابد، وأيضا كان الإنسان صاحب الرأي وصاحب الفكرة، يبدع، يقدم، يخطط، يفكر، يناقش، يحاور، وأيضا كان الإنسان المطيع في هذه المسيرة، الذي لا يقف عند أي اعتبارات مهما كانت هذه الاعتبارات.
في نهاية المطاف، هذه طبعاً من أهم ميزات العاملين في هذه المسيرة، هذه الميزة التي حافظت على وحدة هذه المسيرة، على تماسكها، على صلابتها، على ثباتها، على قوتها، ولذلك أنا سأكتفي بهذه العناوين، لأقول: نحن بحاجة إلى هذه القدوة وهذه الأسوة وأن نقدمه لإخواننا وأخواتنا ولأجيالنا أيضاً، كما نقدم قادتنا الآخرين الذين استشهدوا أو الذين توفوا بما لهم من ميزات، وبما لهم من مواصفات خاصة وجليلة.
الشهيد السيد عباس، رضوان الله عليه، سيد شهداء المقاومة الإسلامية، الشهيد الشيخ راغب رضوان الله عليه، شيخ شهداء المقاومة، الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، شهداء قادة كثيرون.
هناك شيء آخر أود أيضاً أن ألفت إليه في المقطع الأول: إن سماحة الشيخ هو منذ البداية اختار العمل في المجال التربوي والتبليغي والتعبوي، وخصوصا المجال التربوي. منذ البداية كان خيارات سماحة الشيخ هي هذه، منذ أن كان في الحوزة العلمية، في النجف الأشرف، في قم المقدسة. لم يكتفِ بأن يتعلم ويعلّم، كان يربي، يهتم بشؤون الطلاب، تربية الطلاب لصنع الإنسان والكادر.
عندما عاد إلى لبنان أيضاً كانت هذه أولويته، مع أنه طبعا كانت آفاق العمل مفتوحة في كل المجالات أمام سماحة الشيخ في أي مجال من مجالات العمل، لكن هو الذي اختار هذا المجال، لأنه كان لديه قناعة، كان لديه رؤية هي صحيحة بطبيعة الحال، ولذلك ذهب إلى الاهتمام بالمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، بالمدارس، بالمنهجية، بالثقافة، بالجانب التربوي، بالجانب العلمي، بالكمّ، بالكيف، بالنوع، بالإدارة، بالمواكبة، وقام مع إخوانه وأخواته في المؤسسة ومن واكبه من الإخوة المسؤولين بهذه الإنجازات التي نراها اليوم حاضرة أمامنا. المؤسسة أيضاً، كما قال الإخوة قبلي، أعطاها شبابه وعمره ووقته وجهده وليله ونهاره، إيماناً بموقعها وبتأثيرها وبأهميتها في هذه المسيرة الإسلامية الجهادية المباركة، وكان بالفعل خير مسؤول وخير مدير وخير مربٍّ وموجه وأب ووالد. وفي ظل عنايته ورعايته وجهوده نمت وكبرت وتوسعت وترسخت إلى أن أصبحنا أمام مؤسسة حقيقية بكل ما لكلمة مؤسسة من معنى، وخصوصا في المجال التربوي وفي المجال الثقافي وكان الأمين على هذه المؤسسة طوال كل هذه السنين.
بالمناسبة هنا أيضاً نذكر الأحياء دون أن نذكر الأسماء، الكثير من أو كل هذه المؤسسات التي تقوم بالعمل يرعاها مؤتمنون وأمناء، ولذلك بعض الناس يفكر أنه مثلاً في حزب الله أو بقيادة حزب الله ما شاكل الإخوة مشغولون. بعض الناس يأتي ويقول لكم: أنتم كجهة، كمجموعة، كيف تلحقون وتعملون سياسة ومقاومة وأمن وعسكر وثقافة وتربية وخدمات وصحة ووزراء ونواب و.. و.. و.. كيف تلحق على هذا كله؟ تلحق على هذا كله لأن على رأس هذه المؤسسات وهذه الأطر وهذه الملفات وهذه الهياكل أمناء ومخلصون وصادقون وكفوؤون، وبالتالي القيادة المركزية قد لا تحتاج إلى أن تتدخل. أنا أذكر مثلاً في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم ، ربما بالسنة مرة أو كل عامين قد يحتاج الأمر إلى مراجعة أو مناقشة أو قرار، لأن هناك من هو مؤتمن على هذه المؤسسة أو المؤسسات الأخرى.
أيضاً في غير الجانب التربوي، الجانب الدعوي، سماحة الشيخ كان حاملاً لثقافة المقاومة ولفكر المقاومة ولخطاب المقاومة ولروح المقاومة. كان مستعداً دائماً ان يكون جندياً مقاتلاً في الصفوف الأمامية في هذه المقاومة.
لكن وبطبيعة الحال، تحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار، لا يسمح للكثيرين ممن يحملون هذا الفكر وهذه الثقافة وهذه الروحية أن يتقدموا في الخطوط الأمامية.
هذا كان مولانا سماحة الشيخ، وطبعاً هو عنوان من عناوين الجانب الحقيقي والجوهري في مسيرتنا. هناك ما هو فوق السطح، عادة في لبنان ما الذي يطلع فوق السطح؟ السياسة والمواقف السياسية والخطاب السياسي والأحداث السياسية، الأمنية والعسكرية. ما تحت السطح هو كل هذا الجهد والجهاد والجهود العظيمة والمباركة، على المستوى الثقافي والعلمي والفكري والحوزوي والدراساتي والمؤسساتي والخدماتي والبنية التحتية والعلاقات والتواصل مع الناس، وبناء مجتمع مؤمن وملتزم وواعٍ ومثقف ومضحٍ ومخلص.
هذا عادةً لا يظهر على السطح إلا في حالات نادرة وإستثنائية، وكذلك من يعملون أيضاً في هذا المجال هم غالباً ما يكونون بعيدين عن الواجهات أو عن الشاشات، يعملون بصمت، ولكن هم الذين ـ في الأعم والأغلب ـ يُثمرون ويُنتجون.
إن ثمار وإنجازات سماحة الشيخ مصطفى والإخوة الآخرين أيضاً، هذه الإنجازات تتجمع كماً ونوعاً لتقدم للبنان وللأمة الإنجازات الكبيرة والانتصارات الكبيرة. اليوم عندما نجد أنفسنا أمام مقاومة مستمرة منذ عقود، منذ قبل 82 ومن بعد 82 إلى اليوم، عندما نجد اليوم مقاومة ترابط على الحدود، تمتلك مقدرات القوة لردع العدو، مقاومة أيضاً تحضر في ساحة الصديق في سوريا، لتسقط مشروعاً على مستوى المنطقة، يستهدف المنطقة وقضاياها ومقدساتها، ما كان لهذه المقاومة أن تتقدم وأن تبقى وأن تستمر وأن تتعاظم حضوراً وفعلاً، إلا من خلال هذا الحضور الشعبي والثقافي والعقائدي والإيماني والمؤسساتي والعلمائي، وهذه الجهود الكبيرة التي تُبذل لأنها مقاومة تستند إلى قاعدة شعبية كبيرة وعريضة وقوية ومتينة وراسخة.
ليست حالة حماسية طارئة، وليست حالة إنفعال وليست ردة فعل مؤقتة، وإنما تنتسب وتنتمي إلى جذور راسخة في هذه الأرض، وفي هذا الشعب، وفي هذه الأمة، في تاريخها وفي عقيدتها وفي ثقافتها وفي روحها وفي مبانيها وفي تطلعاتها، وسماحة الشيخ كان واحداً من هؤلاء الكبار، الذين ساهموا في صنع وتطور هذه المسيرة، وسيبقى فعله وستبقى كلماته وكتبه وآثاره وتضحياته مساهماً ما دام الليل والنهار إلى يوم القيامة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يحشره مع الأنبياء والأولياء والرسل والصديقين والصالحين والشهداء، وهو العبد الصالح المطيع لله ولرسوله، والمضحي والمجاهد في سبيل الله، الذي لم ينثني ولم يضعف ولم يتردد حتى في كل أيام الشدة وأيام الصعوبات وأيام الفتن التي كانت وما زالت تحتاج إلى أصحاب البصائر.
شارك المقال