• img

مخرجات انتخابات العراق البرلمانية واستحقاقات المرحلة القادمة

نوفمبر 14, 2025

عادل الجبوري
انتهى ماراتون الانتخابات البرلمانية السادسة في العراق، وبنهايته يكون قد انطلق ماراتون استحقاقات المرحلة المقبلة، لا سيما ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة على ضوء مخرجات صناديق الاقتراع بالدرجة الأساس.

لم تحمل الانتخابات البرلمانية الأخيرة مفاجآت كبيرة، بل إن نتائجها تكاد تكون قد جاءت متوافقة إلى حد كبير مع سياق التوقعات.

فعلى صعيد المكونات، حصدت الكتل الشيعية المختلفة، الكبيرة منها والصغيرة، أكثر من نصف مقاعد البرلمان البالغة ثلاثمائة وتسعة وعشرين مقعدًا، ليضمن بذلك المكون الأكبر احتفاظه بمحورية الفعل والتأثير والقرار، والاضطلاع برسم وصياغة السياسات الإستراتيجية للبلد، سواء تحت قبة البرلمان أو داخل أروقة الحكومة.

وضمن المكون الشيعي، أحرز تحالف “الإعمار والتنمية” بزعامة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، المركز الأول بحصوله على ستة وأربعين مقعدًا، فيما أحرز “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، ثلاثين مقعدًا، لتأتي بعده حركة “الصادقون” بزعامة الشيخ قيس الخزعلي، محرزة سبعة وعشرين مقعدًا، وجاءت بعدها منظمة “بدر”، بزعامة هادي العامري، حيث حصدت واحدًا وعشرين مقعدًا، ومن ثمّ تحالف “قوى الدولة الوطنية”، بزعامة السيد عمار الحكيم، الذي حصد ثمانية عشر مقعدًا، وأحرز العديد من الكتل الشيعية الأخرى مقاعد أقل.

أما في ما يخص المكون السني، فإنه احتفظ بما يقارب الستين مقعدًا، كان لحزب “تقدم” بزعامة رئيس مجلس النواب السابق، محمد الحلبوسي، حصة الأسد فيها، وجاء بعده تحالف “السيادة” بزعامة خميس الخنجر، ومن ثمّ تحالف “عزم” بزعامة مثنى السامرائي، وحصلت كتل وقوائم أخرى على مقاعد أقل وبنسب متفاوتة في محافظات مختلفة.

في مقابل ذلك، حصدت قوى المكون الكردي مجتمعة نحو سبعة وستين مقعدًا، فقد أحرز الحزب “الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود البارزاني، خمسة وثلاثين منها، بينما أحرز غريمه التقليدي المتمثل بـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”، بزعامة بافيل الطالباني، عشرين مقعدًا، وتقاسمت الكتل والأحزاب الكردية الأخرى، كحراك “الجيل الجديد”، وجماعة “العدل” الكردستانية، و”تيار الموقف”، وحزب “جبهة الشعب”، بقية المقاعد.

وإذا كانت الأرقام قد جاءت قريبة جدًا من التوقعات، فإن ذلك يعني بقاء المعادلات والتوازنات السياسية القائمة، بإطارها العام الشامل، مع إمكانية حدوث تبدل كبير في الشخوص الذين سيتولون المناصب العليا في البرلمان والحكومة.

بعبارة أخرى، لن تكون الاحجام البرلمانية هي الحاسمة في تشكيل الحكومة وترتيب أوراق المرحلة المقبلة، بل إن مبدأ التوافق والتفاهم سيكون هو الفيصل. وهذا أمر طبيعي جدًا بالنسبة للواقع السياسي العراقي، ومقتضيات النظام البرلماني في بلد يسوده التنوع المجتمعي والسياسي بدرجة كبيرة.

والتوافق والتفاهم، ربما يأتي بخيارات بعيدة عن دائرة الرصد والمتابعة، وربما يأتي بخيارات لا ترضي الجميع، لكنّها في النهاية تعد بمثابة الحلول الوسط التي يلتقي عندها مختلف الفرقاء أو الشركاء.

ولا شك أن نسبة المشاركة العالية في الانتخابات الأخيرة مقارنة بانتخابات 2018، و2021، والتي بلغت بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، 56.1%، يمكن أن تساهم في إضفاء قدر أكبر من الشرعية والقبول بنتائج ومخرجات العملية الانتخابية، وكذلك في ترسيخ وتكريس الاستقرار السياسي، الذي أخذ يتبلور شيئًا فشيئًا خلال الأعوام القلائل الماضية.

وهناك نقطة أخرى مهمة، تتمثل في أن البرلمان الجديد بدورته السادسة، يمكن أن يكون أكثر فاعلية وأداءً وإنجازًا، مقارنة بالبرلمان الحالي، عبر إقرار القوانين المهمّة، من قبيل قانون “الحشد الشعبي”، وقانون النفط والغاز، فضلًا عن قوانين وتشريعات أخرى تمس الحياة اليومية لشرائح اجتماعية واسعة، إلى جانب تفعيل مطلب إخراج القوات الأميركية من البلاد.

وما يساعد في تفعيل العمل البرلماني خلال الدورة المقبلة، هو وجود عدد لا يستهان به من النواب الفائزين عن كتل وقوى سياسية تصنّف بشكل أو بآخر أنها جزء من محور المقاومة، ككتلة منتصرون التابعة لكتائب سيد الشهداء و كحركة “حقوق” التابعة لـ”كتائب حزب الله العراق”، وحركة “الصادقون” التابعة لحركة “عصائب أهل الحق”، ومنظمة “بدر”، وربما كتل وقوى أخرى.

ولعل المطلوب شعبيًا ونخبويًا من البرلمان الجديد والحكومة المقبلة، العمل على إنهاء الوجود الأميركي بأسرع وقت، واستعادة السيادة الوطنية الكاملة بعيدًا عن المماطلة والتسويف والتأخير.

شارك المقال